فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الكِسائي: جَرَم وأجْرَم لغتان بمعنى واحد، أي اكتسب.
وقرأ ابن مسعود {يُجْرِمَنَّكُمْ} بضم الياء، والمعنى أيضًا لا يكسِبنّكم؛ ولا يعرف البصريون الضّمّ، وإنما يقولون: جرم لا غير.
والشَّنآن البغض.
وقرئ بفتح النون وإسكانها؛ يُقال: شَنِئت الرجل أَشْنَؤُه شَنْأً وَشَنْأة وَشَنآنًا وَشَنْآنا بجزم النون، كل ذلك إذا أبغضته؛ أي لا يكسِبنّكم بغضُ قوم بصدّهم إياكم أن تعتدوا؛ والمراد بغضكم قومًا، فأضاف المصدر إلى المفعول.
قال ابن زيد: لما صُدّ المسلمون عن البيت عام الحديبية مرّ بهم ناس من المشركين يريدون العمرة؛ فقال المسلمون: نصدّهم كما صدّنا أصحابهم، فنزلت هذه الآية؛ أي لا تعتدوا على هؤلاء، ولا تصدّوهم {أَن صَدُّوكُمْ} أصحابهم، بفتح الهمزة مفعول من أجله؛ أي لأن صدّوكم.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة {إن صدّوكم} وهو اختيار أبي عبيد.
وروي عن الأعمش {إنْ يصدّوكم}.
قال ابن عطية: فإن للجزاء؛ أي إن وقع مثل هذا الفعل في المستقبل.
والقراءة الأُولى أمكن في المعنى.
وقال النحاس: وأما {إن صدوكم} بكسر «إن» فالعلماء الجِلّة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء: منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمانٍ، وكان المشركون صدّوا المسلمين عام الحديبية سنة سِتٍّ، فالصدّ كان قبل الآية؛ وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلاَّ بعده؛ كما تقول: لا تعطِ فلانًا شيئًا إن قاتلك؛ فهذا لا يكون إلاَّ للمستقبل، وإن فتحت كان للماضي، فوجب على هذا ألاّ يجوز إلاَّ {أَنْ صَدُّوكُمْ}.
وأيضًا فلو لم يصح هذا الحديث لكان الفتح واجبًا؛ لأن قوله: {لا تُحِلّوا شَعَائِر الله} إلى آخر الآية يدل على أن مَكّة كانت في أيديهم، وأنهم لا ينهون عن هذا إلاَّ وهم قادرون على الصدّ عن البيت الحرام، فوجب من هذا فتح «أن» لأنه لِما مضى.
{أَن تَعْتَدُواْ} في موضع نصب؛ لأنه مفعول به، أي لا يَجْرِمنّكم شنَآنُ قوم الاعتداء.
وأنكر أبو حاتم وأبو عبيد {شَنْآن} بإسكان النون؛ لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة؛ وخالفهما غيرهما وقال: ليس هذا مصدرًا ولكنه اسم الفاعل على وزن كسْلان وغضْبان.
الثالثة عشرة قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى} قال الأخفش: هو مقطوع من أوّل الكلام، وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي لِيُعِنْ بعضُكم بعضًا، وتحاثّوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه؛ وهذا موافق لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدَّال على الخير كفاعله» وقد قيل: الدّال على الشر كصانعه.
ثم قيل: البِرّ والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكرّر باختلاف اللفظ تأكيدًا ومبالغة؛ إذ كل بِرّ تقوى وكل تقوى برّ.
قال ابن عطية: وفي هذا تسامح مّا، والعرف في دلالة هذين اللفظين أن البِرّ يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوّز.
وقال الماورديّ: ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبِرّ وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البِرّ رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.
وقال ابن خويزِمنداد في أحكامه: والتعاون على البرّ والتقوى يكون بوجوه؛ فواجب على العالِم أن يعيِن الناس بعِلمه فيعلمهم، ويعينهم الغنِيّ بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» ويجب الإعراض عن المتعدي وترك النصر له وردّه عما هو عليه.
ثم نهى فقال: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} وهو الحكم اللاحق عن الجرائم، وعن {الْعُدْوَانِ} وهو ظلم الناس.
ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدًا مجملًا فقال: {واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ}. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} أي: معالم دينه. وهي المناسك. وإحلالها أن يتهاون بحرمتها، وأن يُحال بينها وبين المتنسكين بها. وقد روى ابن جرير عن عِكْرِمَة والسّدّي قالا: نزلت في الحُطَم، واسمه شريح بن هند البكريّ. أتى المدينة وَحْدَهُ. وخَلّفَ خيله خارج المدينة. ودخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: إلامَ تدعو الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فقال: حسن. إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرًا دونهم. ولعلي أُسْلِمُ وآتي بهم. فخرج من عنده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان. فلما خرج شريح قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم، فمر بسرح من سراح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:
قد لَفَّهَا الليلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ ** لَيْسَ بِرَاعيِ إِبلٍ وَلاَ غَنَمْ

وَلاَ بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ الْوَضَمْ ** بَاتُوا نيَامًا وَابنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ

بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلاَمٌ كَالزَّلَمْ ** خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ الْقَدَمْ

فتبعوه فلم يدركوه. فلما كان العام القابل، خرج شريح حاجًا مع حُجاج بكر ابن وائل، من اليمامة. ومعه تجارة عظيمة. وقد قلّد الهدي. فقال المسلمون: يا رسول الله! هذا الحطم قد خرج حاجًّا فَخَلِّ بيننا وبينه. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنه قد قلّد الهدي. فقالوا: يا رسول الله! هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}. قال ابن عباس: هي المناسك. كان المشركون يحجون ويهدون. فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم. فنهاهم الله عن ذلك.
وعن ابن عباس أيضًا: لا تحلوا شعائر الله: هي أن تصيد وأنت محرم. ويقال: شعائر الله، شرائع دينه التي حدها لعباده. وإخلالها الإخلال بها. وظاهر أن عموم اللفظ يشمل الجميع.
{وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ} المراد به الجنس. فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم.
وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب. أي: لا تحلوها بالقتال فيها. وقد كانت العرب تحرم القتال فيها في الجاهلية. فلما جاء الإسلام لم يَنْقُضْ هذا الحكم. بل أكده. كذا في «لباب التأويل».
قال ابن كثير: يعني بقوله: {وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ}، تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال. كما قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]. وقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]. وفي صحيح البخاريّ عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرًا. منها أربعة حرم...» الحديث، وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت. كما هو مذهب طائفة من السلف.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى: {وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ}: يعني لا تستحلوا القتال فيه. وكذا قال مقابل وعبد الكريم بن مالك الجزري. واختاره ابن جرير أيضًا. وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ. وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم. واحتجوا بقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. والمراد أشهر التسيير الأربعة.
قالوا: فلم يستثن شهرًا حرامًا من غيره. انتهى. وفي كتاب «الناسخ والمنسوخ» لابن حزم: إن الآية نسخت بآية السيف. ونقل بعض الزيدية في «تفسيره» عن الحسن أنه ليس في هذه السورة منسوخ. وعن أبي ميسرة: فيها ثماني عشرة فريضة. وليس فيها منسوخ. (انتهى).
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عوف قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا.
وقال الإمام ابن القيّم في «زاد المعاد» في «فصل سرية الخبط» كان أميرها أبا عبيدة بن الجراح، وكانت في رجب، فيما ذكره الحافظ بن سيد الناس في «عيون الأثر».
ثم قال، في فقه هذه القصة: إن فيها جواز القتال في الشهر الحرام. إن كان ذِكْرُ التاريخ فيها برجب، محفوظًا. والظاهر، والله أعلم، أنه وهم غير محفوظ. إذ لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غزا في الشهر الحرام، ولا أغار فيه، ولا بعث فيه سرية. وقد عيرّ المشركون المسلمين لقتالهم فيه في أول رجب، في قصة العلاء بن الحضرمي، فقالوا: استحل محمد الشهر الحرام. وأنزل الله في ذلك: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]. ولم يثبت ما ينسخ هذا بنص يجب المصير إليه، ولا اجتمعت الأمة على نسخه. وقد استدل على تحريم القتال في الأشهر الحرام بقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. ولا حجة في هذا. لأن الأشهر الحرم هاهنا هي أشهر التسيير التي سيّر الله فيها المشركين في الأرض يأمنون فيها. وكان أولها يوم الحج الأكبر، عاشر ذي الحجة. وآخرها عاشر ربيع الآخر. هذا هو الصحيح في الآية لوجوه عديدة، ليس هذا موضعها. انتهى. وقوله تعالى: {وَلاَ الْهَدْيَ} أي: لا تحلوه بأن يُتعرض له بالغصب أو بالمنع عن بلوغ محله. والهدي: ما أهدي إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاء. وفي «الإكليل»: هذا أصل في مشروعية الإهداء إلى البيت. وتحريم الإغارة عليه. وذبحه قبل بلوغ محله. واستبدل بالآية أيضًا على منع لأكل منه.
{وَلاَ الْقَلائِدَ} جمع قلادة. وهي ما يقلد به الهدي. من نعل أو لحاء شجر، ليعلم أنه هدي، فلا يتعرض له. والمراد النهي عن التعرض لذوات القلائد من الهدي. وهي البدن. وعطفها على (الهدي) مع دخولها فيه، لمزيد التوصية بها، لمزيتها على ما عداها. إذ هي أشرف الهدي. كقوله تعالى: {وَجِبْريلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] عطفًا على الملائكة. كأنه قيل: والقلائد منه، خصوصًا. أو النهي عن التعرض لنفس القلائد، مبالغة في النهي عن التعرض لأصحابها. على معنى: لا تحلوا قلائدها فضلًا أن تحلوها. كما نهى عن إبداء الزينة بقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُن} [النور: 31]. مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها. كذا لأبي السعود.
وقال الحافظ ابن كثير: يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام. فإن فيه تعظيم شعائر الله. ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام.
وليعلم أنه هدي إلى الكعبة. فيجتنبها من يريدها بسوء. وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها. فإن من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ولهذا لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحُليَفة. وهو وادي العقيق. فلما أصبح طاف على نسائه، وكن تسعًا. ثم اغتسل وتطّيب وصلى ركعتين. ثم أشعر هديه وقلّده. وأهلّ للحج والعمرة، وكان هديه إبلًا كثيرة تُنيف على الستين، من أحسن الأشكال والألوان كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
قال بعض السلف: إعظامها استحسانها واستسمانها. قال عليّ بن أبي طالب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن. رواه أهل السنن. وقال مقاتل: ولا القلائد، فلا تستحلوه. وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم. قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر. وتقلد مشركوا الحرم من لحاء شجره، فيأمنون به. رواه أبي حاتم.
وقال عطاء: كانوا يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون. فنهى الله عن قطع شجره وكذا قال مُطَرِّف بن عبد الله. وأمانهم بذلك منسوخ. كما روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: نُسخ من هذه السورة آيتان: آية القلائد وقوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]. وبسنده إلى ابن عوف قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أي: لا تحلوا قومًا قاصدين زيارة المسجد الحرام بأن تصدوهم أو تقاتلوهم أو تؤذوهم، لأنه من دخله كان آمنًا. وقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} حال من المستكن في: {آمِّينَ} أي: قاصدين زيارته حال كونهم طالبين التجارة ورضوان الله بحجهم. ونقل ابن كثير عن ثمانية من سلف المفسرين أنه عنى بالفضل طلب الرزق بالتجارة. قال: كما تقدم في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]. وقد ذكر عِكْرِمَة والسدي وابن جرير أن الآية نزلت في الحُطَم بن هند البكري. وتقدمت قصته. وقال ابن طلحة عن ابن عباس: كان المؤمنون والمشركون يحجون، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدًا من مؤمن أو كافرٍ. ثم أنزل الله بعده: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] الآية. وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 17]. وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِرِ} [التوبة: 18]. فنفى المشركين من المسجد الحرام. وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن قتادة في قوله: {وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} قال: منسوخ. كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، تقلد من الشجر، فلم يعرض له أحد. فإذا رجع تقلد قلادة من شعر، فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يُصدّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت. فنسخها قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: {وَلاَ الْقَلائِدَ} يعني أن من تقلد قلادة من الحرم، فأمنوه. قال: ولم تزل العرب تعيِّر من أخفر ذلك. قال الشاعر:
ألمْ تقتلا الْحِرجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا ** يُمِرَّانِ بِالأَيْدِي اللَّحَاءَ الْمُضَفَّرَا

أفاده ابن كثير. وهذه الروايات توضح أنه عنى: (الآمين): المشركين خاصة. إذا هم المحتاجون إلى نهي المؤمنين عن إحلالهم وما يفيده التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم. وكذا الرضوان من تشريفهم، والإشعار بحصول مبتغاهم. فالسر فيه تأكيد النهي والمبالغة في استنكار المنهيّ عنه. قال الزمخشري وأبو السعود: قد كانوا يزعمون أنهم على سداد من دينهم، وأن الحج يقربهم إلى الله تعالى. فوصفهم الله تعالى بظنهم. وذلك الظن الفاسد، وأن كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى، لكن لا بُعْدَ في كونه مدارًا لحصول بعض مقاصد الدنيوية، وخلاصهم عن المكاره العاجلة. لاسيما في ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره.